النجمة 51 في العلم الأمريكي
بقلم: ميسرة بحر
دعمٌ منقطع النظير تقدمه الولايات المتحدة الامريكية إلى "إسرائيل" وكأنها نجمة جديدة في العلم الأمريكي؛ الذي يحتوي على 50 نجمة كل منها تمثل ولايات من الولايات المتحدة الامريكية، وينظر إلى العلاقات الأمريكية "الإسرائيلية" كحالة فريدة في العلاقات الدولية.
فمنذ صعود الولايات المتحدة الامريكية وتفردها كقطب وحيد ودولة مهيمنة على النظام الدولي تعاملت مع "إسرائيل" كجزء منها، فقد اعترف الرئيس الأمريكي ترومان بإسرائيل بعد 11 دقيقة فقط من إعلان بن غورين قيامها عام 1948، وجعلت أمن إسرائيل وتفوقها العسكري في المنطقة من ضمن الثوابت في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط لا تقبل المس بها، بل جعلت إسرائيل بوابتها الوحيدة في المنطقة، فأصبحت الدول تتسابق إليها طمعاً بكسب ود الدولة المهيمنة صاحبة النفوذ والقوة العالمية "أمريكا".
وتقدم الولايات المتحدة الدعم لـ"إسرائيل" على مختلف الجوانب أهمها الجانب العسكري حيث تلقت إسرائيل ما يقارب الـ(270 مليار دولار) كمساعدات عسكرية، وتشكل المساعدات الأميركية لإسرائيل 55% من جميع المساعدات الأميركية للعالم، بالإضافة لتخزين كميات كبيرة من السلاح في "إسرائيل" تقدر قيمته بملايين الدولارات يحق لإسرائيل استخدامها عند الحاجة كما فعلت في حرب لبنان 2006، وتحرص الإدارة الأمريكية على حيازة الجيش "الإسرائيلي" المعدات القتالية الأميركية أولا بأول، للمحافظة على التفوق النوعي والكمي "لإسرائيل" على دول المنطقة في الجانب التسليحي والعسكري.
الحديث عن الدعم الأمريكي لإسرائيل لا ينتهي، لكن لماذا كل هذا الدعم؟
تُعتبر إسرائيل اليد الطويلة للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وقاعدة مهمة لتنفيذ استراتيجيتها في المنطقة والحفاظ على هيمنتها، فوجود "إسرائيل" ككيان غريب يمثل الثقافة "والحضارة" الغربية، وتقديمها كبوابة للوصول للولايات المتحدة والعالم الغربي، يضمن للولايات المتحدة استمرار نفوذها وسيطرتها في المنطقة، وتتيح له وسائل قمع أي تحرك يعارض الهيمنة الامريكية، لكن حجم الدعم المقدم لإسرائيل يتجاوز قاعدة المصالح المتبادلة بين الدول، فالإدارات الامريكية المتعاقبة لا تجرؤ على مجرد طرح موضوع استبدال إسرائيل بكيان آخر لخدمة أهدافها في المنطقة، وذلك لوجود مجموعة من العوامل أهمها (الروابط الثقافية، الروابط الدينية، نفوذ اليهود في الولايات المتحدة، جماعات الضغط "اللوبيات").
يعتبر الجانب الثقافي أحد أهم أسباب الترابط الأمريكي الإسرائيلي، حيث أن الجمهور الأمريكي يعتبر أن "إسرائيل" امتداد للثقافة الغربية، كما يتم النظر إلى "إسرائيل" على أنها دولة متحضرة في محيط من "المتخلفين العرب" ويلخص د. ميخائيل سليمان في كتابه صورة العرب في عقول الأمريكيين بقوله (إن صورة العرب في العقل الأمريكي تتلخص في أنهم؛ أغبياء، متخلفون، بدائيون، غير متحضرين، ملابسهم غربية، يسيئون معاملة المرأة، مولعين بالحرب، متعطشين للدماء..الخ).
بالإضافة إلى الجانب الديني؛ حيث يعتبر أنصار التيار البروتستانتي - الذين يمثلون نسبة تصل إلى نصف المجتمع الأمريكي - أن قيام دولة إسرائيل مسألة دينية، باعتبارها تجسيداً لنبوءات الكتاب المقدس، وتشكل المقدمة لمجيء المسيح المخلص إلى الأرض، وبالتالي رأت أن من واجبها الدفاع عن اليهود، وعن حقهم بوطن قومي، ما أدى فيما بعد إلى بروز ما تسمى "المسيحية الصهيونية"، وتعود جذور العلاقة الامريكية مع اليهود مع ظهور التيار البروتستانتي المسيحي في القرن السادس حيث كتب الراهب مارتن لوثر كتاب بعنوان (المسيح ولد يهودياً).
أما عن نفوذ اليهود في الولايات المتحدة؛ فعلى الرغم من أن نسبة اليهود في الولايات المتحدة لا تتجاوز الـ 2%، إلا أنهم يمتلكون نفوذ وإمكانيات كبيرة، حيث يمتلك اليهود عدد كبير من الشركات العالمية، منها (أمزن، غوغل، آبل، فيس بوك)، كما يمتلكون أهم وسائل الإعلام الامريكية، مثل (فوكس نيوز، وسي إن إن، وغالبية شركات الإنتاج في هوليوود، وصحيفة الواشنطن بوست) وغيرها من وسائل الإعلام، بالإضافة لمجموعة كبيرة من النخب الإعلامية والسياسية والأكاديمية من اليهود في الولايات المتحدة، وتولي مجموعة من اليهود مناصب مهمة في الإدارة الامريكية.
يُسَخِّر اليهود كل إمكانياتهم لخدمة مصالح إسرائيل، من خلال الضغط على الحكومة الامريكية عبر جماعات الضغط "اللوبيات" التي تتبنى قضايا اليهود، حيث يتملك اليهود العديد من اللوبيات أهمها "الآيباك"، ويجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة من الدول القليلة التي تسمح بتشكيل جماعات الضغط، وهي الدولة الوحيدة التي تسمح باستخدام المال في السياسية، وتُشرع الرشوة للمسؤولين السياسيين، الأمر الذي تستغله اللوبيات اليهودية من خلال التأثير على صناع القرار، خاصة في الانتخابات حيث يمول "الآيباك" جزء كبير من الحملات الانتخابية للمرشحين، مقابل الحصول على وعود انتخابية في قضايا محددة تخدم مصالح إسرائيل، وتعمل ايضاً على تجنيد بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي لخدمة مصالحها.
لكن السؤال المهم هو: هل نشهد تراجع في الدعم الأمريكي "لإسرائيل" في الفترة القادمة؟
رغم الحالة الفريدة من العلاقات التي تربط الولايات المتحدة مع "إسرائيل" إلا أنه في الفترة الأخيرة هناك بعض الملفات التي لا يتفق عليها الجانبين، ومن أهمها؛ الملف النووي الإيراني، حيث أن إسرائيل تطالب بتوجيه ضربة سريعة لإيران، لكن الولايات المتحدة لا تتفق مع هذا التوجه، وتسعى لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني بسبب انشغالها في الحرب في أوكرانيا، ومواجهة صعود الصين، ومن القضايا التي يختلف عليها الجانبين أيضاً خطة التعديلات القضائية التي تقودها الحكومة الإسرائيلية، حيث أن الولايات المتحدة تعتبر أن ذلك يتعارض مع مبادئ "الديمقراطية الغربية" وله آثار على مستقبل إسرائيل وثقة المستثمرين والدول بها، بالإضافة لاعتراض الولايات المتحدة على سلوك الحكومة اليمينية المتطرفة التي تضر في صورة "إسرائيل" وتحرج الولايات المتحدة.
وقد أدلى الرئيس الأمريكي جو بايدن بتصريحات أبدى فيها استيائه من سلوك الحكومة الصهيونية واعتبر بايدن أن حكومة "نتنياهو" هي الأكثر تطرفا في إسرائيل منذ غولدا مائير، وقال: إنهم جزء من المشكلة، خاصة أولئك الأفراد في مجلس الوزراء الذين يقولون يمكننا الاستيطان في أي مكان نريده.
اعتبر البعض أن التصريحات مقدمة لتخلي الولايات المتحدة عن "إسرائيل"؛ لكن باعتقادي أن الأمر ليس بهذه البساطة، فالعلاقة التاريخية بين الجانبين تثبت أن الالتزام الأمريكي تجاه "إسرائيل" ثابت من الثوابت التي لا يمكن لأي إدارة أمريكية التراجع عنها، وذلك بسبب تغلغل اليهود في دوائر صنع والتأثير على القرار بالإضافة إلى العوامل الثقافية والدينية التي ذكرناها، وعلى الرغم من أهمية منصب الرئيس في الولايات المتحدة إلى أنه لا يملك القدرة على إحداث تغيير جوهري في التوجهات الامريكية خاصة وأن دعم إسرائيل أصبح جزء من السياسية الداخلية الامريكية وليس الخارجية، كما يعتبره الكثير من الباحثين في الشأن الأمريكي، لكن قد نشهد حالة من الفتور في العلاقة السياسية، والدعم السياسي المقدم من الإدارة الأمريكية "لإسرائيل"، ولكن لن يصل ذلك إلى حد القطيعة، أو الضغط الحقيقي على الكيان.